الفاقد التعليمي لدى الطلاب: من يدفع الثمن؟

دفعت جائحة الكورونا بالعالم في تجربة غير مسبوقة مع إغلاق المدارس حول العالم في بدايات العام الماضي ٢٠٢٠، مما ترتب عليه فاقد تعليمي هائل لن يكون من السهل تعويضه بعد عودة تشغيل المدارس بالنظام المعتاد. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يكون لهذا الفاقد التعليمي آثار اقتصادية طويلة المدى على مستوى الطلاب والدول ما لم يتم التدخل لمعالجتها بشكل فعال.

 
إذًا، ما هو الفاقد التعليمي؟ وما هي الفجوة التعليمية؟

يعبّر مصطلح الفاقد التعليمي، وفقًا لليونسكو، عن فقدان فرص التعلم أو ركود التعلم خلال فترة محددة، أو فقدان ما تم تعلمه، أو عدم تحقيق التقدم الأكاديمي المنشود. بعبارة أخرى، الفاقد التعليمي هو ما يفقده الطلاب من مهارات ومعلومات بسبب حدوث خلل أو انقطاع في عملية التعليم والتعلم. الخلل المقصود هنا هو إغلاق المدارس والتحول الكلي إلى التعليم عن بعد نتيجة لجائحة الكورونا.

أما الفجوة التعليمية فهي أخطر نتائج الفاقد التعليمي، حيث تتكوّن الفجوة عندما يحدث لدى الطلاب انقطاع في سير المعلومات والمهارات التي يحصلون عليها من التعليم والتعلم نتيجة لعدم اكتمال الدورة المعرفية، ويصعب عليهم الرجوع بعدها إلى الأداء الأكاديمي المتوقع في مراحلهم الدراسية المحددة.

 
ما الخطر الكامن المترتب على الفاقد التعليمي والفجوة التعليمية؟

بسبب انقطاع الطلاب عن المدارس في بداية ٢٠٢٠ ثم التوجه للتعليم عن بعد بشكل كامل، خسر الطلاب ركنين أساسيين من أركان العملية التعليمية وهما التواصل المباشر وجهًا لوجه بين الطلاب والمعلمين، والتفاعل الصفي وللاصفي مع أقرانهم.

يترتب على ذلك تراجع في عدد من المهارات الرئيسية لدى الطلاب، أهمها المهارات اللغوية، والحسابية، والمخبرية العملية، ومهارات العمل الجماعي التعاوني، وأخيرًا مهارات الجانب الوجداني مثل الذكاء العاطفي والاجتماعي.

تتباين تجليات الفاقد التعليمي باختلاف الصفوف الدراسية، وأخطرها هو انقطاع الدورة المعرفية لطلاب الصفوف الابتدائية الأولى، لأنهم بحاجة لتأسيس مهاراتهم الرئيسية كالجمع والطرح وتكوين الأعداد والمهارات اللغوية. وبدون التمكن من أساسيات هذه المهارات لن يتمكنوا من متابعة تحصيلهم الدراسي في المراحل التالية.

وأكثر ما يستدعي القلق في الوقت الحالي، هو أن الفاقد التعليمي لن يؤثر على جميع الطلاب بالتساوي. إذ سيتأثر ذوي الدخل المحدود والمقيمون في المناطق النائية والفئات المهمشة من ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر من أقرانهم الأخرين، مما سيفاقم من عدم المساواة الاجتماعية على النطاق الأوسع.

ومن الملاحظ أن الكثير من أولياء الأمور ما زالوا لا يشعرون بثقة كافية في مخرجات التعليم عن بعد، بالرغم من توفير الجهات المختصة والمدارس للدعم في هذا الجانب وتحقيق نقلة هائلة في تطبيقه منذ بدء الجائحة. قمنا في إمكان بطرح استبيان على منصة تويتر سألنا فيه أولياء الأمور إن كانوا يشعرون أن عام ٢٠٢٠/٢٠٢١ الاستثنائي سيؤثر على المدى البعيد على المستقبل الوظيفي، وجاءت النتائج التالية بناء على استجابات عينة تزيد عن ١٠٠ شخص على الاستبيان.

 
توزيع استجابات أولياء الأمور على استطلاع إمكان
 

 

توضح لنا هذه النتائج أن أكثر من نصف أولياء الأمور قلقون بشأن مستقبل أطفالهم الوظيفي في ظل الظروف الحالية، وهو ما يدعونا للنظر بتعمق أكثر في التبعات الاقتصادية للفاقد التعليمي.

بشكل عام، تشير الأبحاث إلى أن الطلاب المتأثرين بانقطاع الدراسة واضطراب تحصيلهم المعرفي قد يتعرضون على المدى الطويل لفاقد في دخلهم مستقبلًا. وعلى مستوى الدولة، فإن اقتصادات الدول التي ستعتمد مستقبلًا على قوة عاملة أقل مهارة من المطلوب نتيجة لتبعات الفاقد التعليمي في الوقت الحاضر وقد تواجه انخفاضًا في معدلات النمو، وهو ما سيؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي العام لمجتمعاتها مستقبلًا.

 
كم يبلغ حجم الفاقد التعليمي؟

قرابة نهاية العام الماضي، أجرت مؤسسة ماكنزي للأبحاث استطلاعًا لآراء شريحة واسعة من المعلمين في عددٍ من دول أوروبا وآسيا والأمريكيتين حول الفاقد التعليمي في ظل الجائحة. وقد أفاد المشاركون بأن الطلاب كانوا متأخرين بنحو شهرين في المتوسط عن الحاصل الأكاديمي المنشود. ترتفع هذه النسبة إلى شهرين ونصف بالنسبة للطلاب من أسر تحت خط الفقر مقارنة بحوالي شهر ونصف فقط للطلاب من أسر الطبقة المتوسطة أو ميسوري الحال.

ويشير البحث إلى أن الطلاب في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل قد يكونون عرضة لتأثيرات أخطر خاصة مع إغلاق المدارس لوقت أطول في هذه الدول، وانخفاض البنية التحتية والقدرات البشرية اللازمة لإنجاح التعليم عن بعد بفعالية. وبالنسبة لمن يفتقدون القدرة على الوصول إلى الأدوات والتواصل الفعال مع المعلمين والموارد، فقد يؤدي ذلك لتسربهم من التعليم بالكامل، أو عدم امتلاكهم للمعارف والمهارات اللازمة للانتقال للمرحلة الدراسية التالية.

بناءً على هذه المعطيات معًا، يتضح لنا أن الأثر طويل المدى لجائحة كورونا على الفاقد التعليمي وعلى المنظومة التعليمية ككل سوف يستمر لسنوات طويلة في المستقبل. ولذا يتحتم على جميع المعنيين، من صناع قرار ومدارس ومؤسسات تعليمية وأولياء أمور، أن نتعاون لاتخاذ خطوات واضحة لتقليل آثار الفاقد التعليمي على المدى القصير وللتكيف بشكل فعال مع متطلبات السنوات القادمة.

 
ما الحلول التي تقترحها إمكان في الوقت الحالي؟

نحن نتابع باهتمام آخر مستجدات التعليم في هذا الموضوع. وقد خصصنا إحدى ورش عمل مؤتمر إمكان للمدارس ٢٠٢١ الذي أقيم في فبراير الماضي لهذه القضية.

كان عنوان الورشة “رؤية تطبيقية لردم الفجوة التعليمية”. قدمها كل من الأستاذ محمد الزعبي والأستاذة أحلام أبو الفر من أكاديمية الملكة رانيا للمعلمين في الأردن. وقد توصلنا من خلال ورشة العمل إلى مجموعة من الحلول لمحاولة التقليل من أثر الفاقد التعليمي على الطلاب، تمثلت فيما يلي:

١- على المؤسسات التعليمية ضمان تكافؤ الطلبة في الوصول إلى الفرص التعليمية عن طريق توفير مصادر التعلم بالوسائل الرقمية.

٢- على المدارس أن تحرص على أن تكون التقنية والمنصات الإلكترونية داعمة لعمل المعلم وليست بديلًا عنه.

٣- من الضروري قياس الفاقد التعليمي لدى الطلاب بعد عودتهم إلى المدرسة حضوريًا، ووضع خطط مرنة لمساندتهم حسب الحاجة وتطبيق معايير المتابعة والتقييم بدقة.

٤- هناك حاجة لاعتماد نهج تشاركي متعدد الأطراف لدعم عملية التعليم عن بعد، بحيث يتم إشراك القطاع الأهلي وقطاع الاتصالات وقطاع التربية الخاص.

٥- على المؤسسات التعليمية العمل على دعم ورفع قدرات أولياء الأمور في المشاركة في عملية التعليم عن بعد.

 
أخيرًا، ما هي نصائح إمكان لأولياء الأمور بالتحديد؟

مع التحول للتعلم عن بعد بشكل شبه حصري، ومع التوجه لدمجه بالتعليم الحضوري في الفترة القادمة بعد إعادة فتح المدارس، يقع على عاتق أولياء الأمور دور أكبر في متابعة التحصيل المعرفي لأولادهم وبناتهم وفي دعم المدارس والمعلمين للحد من الفاقد التعليمي ومساندة الطلاب. ولذلك ننصحهم بتطبيق بعض ما يلي:

 
١- قوموا بتحديد المستوى الفعلي لأطفالكم (أو ما يعرف بخط الأساس):
الهدف من ذلك من محاولة معرفة مستوى مهارات ومعارف أولادكم بالمقارنة مع المستوى المنشود في صفهم الدراسي. يمكن تحقيق ذلك بتطبيق أنشطة مصممة حسب الشريحة العمرية المعنية، بالإضافة لاستخدام كتب تدريبية بسيطة يمكن

الحصول عليها من المكتبات. ومن خلال ذلك يمكنكم تحديد إذا ما كان أبناؤكم محافظين على المستوى المطلوب أو بحاجة للدعم في جوانب معينة.

 
٢- العودة الى الأساسيات:
مهارات القراءة والكتابة والرياضيات هي أهم أركان بناء المعرفة في المستقبل واكتساب المهارات المتقدمة في السنوات والمراحل التالية. واعتمادًا على عمر طفلكم وصفه الدراسي، تأكدوا من عدم فقدانهم الكثير من هذه المهارات.

علينا الانتباه لأن مهارات كالقراءة والكتابة والخط خاصة في السنوات الأولى من التعليم المدرسي قد تتأثر بسهولة مع نقص التدريب أو قلة الممارسة. لذلك شجعوا أطفالكم على قراءة و/أو كتابة صفحة واحدة يوميًا ومناقشة ذلك معهم. مع الحرص على اختيار المواضيع التي يستمتعون بها أو يحبونها لكي تتجنبوا إصابتهم بالملل.

 
٣- اطلبوا الدعم من المدرسة:
مع بداية الفصل الدراسي الجديد في سبتمبر القادم، احرصوا على أن تزودكم مدارس أطفالكم بإجابات الأسئلة التالية:

– هل يخططون لإجراء أي تقييمات لتحديد خط الأساس لقياس مقدار الفاقد التعليمي لدى الطلاب؟
– هل سيشاركون نتائج هذه التقييمات مع أولياء الأمور؟
– ما هي التدخلات التي يخططون لتنفيذها بالنسبة للطلاب المحتاجين للمساعدة أو الدعم؟
– ما هي جوانب الدعم أو المساعدة التي يمكن لأولياء الأمور التعاون مع المدرسة لتعزيزها؟

 
٤- احرصوا على سلامة أبنائكم أولًا:
بالرغم من أهمية المهارات الأكاديمية، فإن هدفكم كأولياء أمور في هذه المرحلة ينبغي أن يتوجه لضمان وتأمين السلامة النفسية والذهنية لأطفالكم. إذا لاحظتم أي أعراض للتوتر والقلق لدى أطفالكم فحاولوا اكتشاف أسبابها والتعامل معها.

شجعوهم على التعبير عما يدور بذهنهم وعلى مشاركة ما يقلقهم أو يزعجهم في ظل هذه الظروف. هونوا عليهم وطمئنوهم، وذكروهم بمميزاتهم ومواهبهم، احتفلوا بإنجازاتهم الصغيرة، وأكدوا عليهم أن كل جهد صغير يبذلونه هو إنجاز في حد ذاته.

وختاما، علينا أنا ندرك أن الفاقد التعليمي تحدٍ مشترك يلقي بظلاله على العالم أجمع. لكننا في إمكان التعليمية مؤمنون بقدرتنا على مواجهته معًا، دعمًا لأبنائنا الطلاب ولوطننا السعودية على المدى الطويل. ومع أن تفاصيله لم تتضح بأكملها بعد، سيكون علينا متابعة إعادة تشكيل منظومتنا التعليمية وخصائصها في ضوء المعطيات القادمة، وبتعاوننا معًا سنخلق لأبنائنا جسر أمان يعبرون من خلاله نحو المستقبل بثقة وقوة ودون خسائر.

 
المصادر:

[1] The Economic Impacts of Learning Losses

[2] Teacher survey: Learning loss is global and significant

[3] استطلاع آراء أولياء أمور الطالب في السعودية (عبر تويتر). أبريل 2021 .إمكان التعليمية

[4] رؤية تطبيقية لردم الفجوة التعليمية (ورشة عمل)، مؤتمر إمكان للمدارس 2021 .فبراير 2021


 

ساعدت إمكان التعليمية أكثر من 60 مؤسسة تعليمية محلية ودولية من تحقيق التغيير المطلوب. فهل أنت مستعد للانضمام لقائمة عملائنا وتحقيق التحول المنشود لمؤسستك؟