بعد إغلاق المدارس لما يقارب العامين، فُتحت أبوابها مجددًا لتستقبل طلاب وطالبات مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية للدراسة حضوريا. وعلى الرغم من طول الانتظار والفرحة بعودة الأطفال إلى مدارسهم، إلا أن مشاعر الخوف والقلق تنتاب الكثير منهم، لذلك نود في هذه المدونة أن نُسلط الضوء على ما قامت به المدارس حول المملكة من استعدادات لعودة أبنائنا وبناتنا إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع.
أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) على أهمية عودة الطلبة إلى مدارسهم، كما دعت إلى أن تكون المدارس آخر ما يُغلق وأول ما يُعاد فتحه، لما تمنحه الدراسة الحضورية من فرصة لتفاعل الأطفال فيما بينهم وتكوين صداقات تسهم في نموهم اجتماعيًا، كما يُعزز الحضور كلًا من مهاراتهم المعرفية كالقراءة والحساب، والعملية كالكتابة والرسم، بشكل يعجز نظام التعليم عن بعد عن تحقيقه.
العودة الحضورية مطلب دعت له المنظمات العالمية والمحلية، وذلك نظرًا لكثرة الآثار الناجمة عن نظام التعليم عن بعد الذي قدم حلًا مؤقتًا في أزمة عالمية. رأينا كيف شكلت الشاشات جسرًا وحاجزًا في نفس الوقت، لكونها تقدم مادة علمية في بيئة لا تكتمل فيها جوانب العملية التعليمية، مما يؤدي إلى تفاقم الفاقد التعليمي وما يسببه من فجوة تعليمية، والذي سبق أن ناقشناه في أحدى مدوناتنا السابقة: الفاقد التعليمي لدى الطلاب: من يدفع الثمن؟
عند صدور قرار العودة للتعليم الحضوري من وزرة التعليم في بداية شهر يناير 2022، أجرى فريق إمكان التعليمية استبيانًا شاركت فيه أكثر من 140 مدرسة حول المملكة موزعة كالتالي:58.1% أهلية، و35.5% عالمية، و7.4% حكومية. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي، فقد كانت المشاركات موزعة بين كل من مدينة الرياض (%56.8) وجدة (25.6%) ،والبافي (17.6%) موزعة على مدن أخرى.
من خلال الاستبيان وجدنا بشكل عام أن المدارس تعي ضرورة تعافي العملية التعليمية من الفاقد التعليمي خلال هذه الفترة الماضية، وتسعى للتخفيف من آثاره التي تطال الطلاب أنفسهم ومجتمعهم ككل.
عندما سألنا المدارس عن استعداداتهم لاستقبال الطلاب، جاء في المرتبة الأولى (58.1%) استعداد المدرسة لتقديم الدروس بشكل تزامني، بحيث يتسنى للطلاب المصابين او الذين لا تسمح ظروفهم الصحية بالحضور الى المدرسة بحضور الدروس عن بعد مع زملاءهم في الصف.
جاء في المرتبة الثانية (57.4%) تقديم دروس تقوية للطلاب الضعاف، وهي بالتأكيد ممارسة مهمة وضرورية في مثل هذا الوضع، ولكن على أي أساس ستكون هذه الدروس؟ يجب أن يسبق دروس التقوية قياس مدى الفاقد التعليمي، على كل من المستوى المعرفي ومستوى المهارات العملية، ومن ثم يأتي تقديم دروس لتقوية الطلاب حتى تكون فعالة. كما يجب تقييم مهارات الطلاب بعد الدروس للتمكن من قياس مدى استفادة الطلاب منها.
وفقًا أيضا لهذا الاستبيان فإن نسبة الاهتمام بالجانب النفسي والاجتماعي تراجعت مقارنة بالجانب الأكاديمي إلى ما يزيد عن النصف، حيث لم يتجاوز اهتمام المدارس ٥٦٫١٪ بالجانب الاجتماعي، وبالجانب النفسي بنسبة ٥٤٫٧٪.
وقد خالفت هذه النتيجة تطلعاتنا المرجوة، حيث أن الاتزان النفسي وتطور المهارات الاجتماعية يعد من أهم عوامل نمو الطفل في هذه المرحلة، ومن أكثر الجوانب تأثرًا إثر انقطاع الدراسة الحضورية.
وبناء على تلك النتائج نحثّ المدارس والمعلمين على السعي لسد مختلف الفجوات: نفسيًا ومعرفيًا واجتماعيًا. نشارككم هنا بعض التوصيات لضمان تحقيق التعافي النفسي والاجتماعي لدى العودة إلى المدارس.
لا يقتصر القلق على الطلاب بل قد يشعر به المعلمون والعاملون في المدرسة. تكمن أحد أفضل التوجهات للتخفيف من هذا القلق في تقديم الدعم والمساندة للفريق، والحرص على تهدئة مخاوفهم حفاظًا على صحتهم واستقرارهم وحتى لا تتسرب مخاوفهم إلى الطلاب. نقترح أيضًا:
إن المهارات الاجتماعية والاتزان النفسي، كما سبق أن ذكرنا، هي أكثر ما تأثر بالانقطاع، وأهم ما يجب منحه الأولوية عند العودة. فقد أكد الباحثون على ارتفاع واضح في مؤشرات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم عند الأطفال خلال العامين الماضيين، وذلك بالتأكيد سيؤثر على تحصيلهم الدراسي. وهنا بعض الممارسات التي قامت بها بعض من المدارس حول العالم لتهيئة طلابها والتخفيف من قلقهم ومخاوفهم بعد الجائحة:
إن دور أولياء الأمور أساسي في هذه العملية، نظرًا لمعرفتهم بماهية التجارب التي مر بها أطفالهم، ومدى تأثيرها عليهم، فغياب العامين الماضيين لم يكن مجرد انقطاع عن الحضور إلى المدرسة، بل مرت شريحة من الطلاب بحالات من الخوف والفزع والقلق إثر إصابتهم بالمرض أو فقد عزيز عليهم جرّاء هذه الجائحة، وحتى من منظور أبسط، فقد تأثر الأطفال من كثرة المكوث في المنازل وعدم الاختلاط مع الآخرين.
في هذه المرحلة، تزداد حاجة الأطفال لاحتوائهم، والإجابة على تساؤلاتهم وطمأنة مخاوفهم، ومن الجيد أيضًا أن نحثهم على تجربة هوايات جديدة والعودة إلى مهارات تراجعت إثر الانقطاع، فمهاراتهم تثمر بالإصغاء المستمر والدعم المتكرر. نشارككم هنا بعض الوصايا لأولياء الأمور تساعدهم في تهيئة صغارهم:
1. توجيه الطلاب لاتباع الإجراءات الاحترازية دون إخافتهم:
يمكن اضفاء المرح على بعض من السلوكيات الوقائية، كتأمل فقاعات الصابون واللعب بها لبضع ثوان قبل شطفها، لتغيير إحساس الأطفال تجاه غسل أيديهم مرارًا وتكرارًا. كما ننصح باستقبال كل أسئلتهم برحابة صدر، وعدم تجاهل شعورهم بالضيق تجاه هذه الإجراءات أحيانًا، والحديث عن أهميتها ودورها بلغة بسيطة تناسب أعمارهم وأفكارهم.
2. التعامل مع إحباط الأطفال:
شكل التعليم عن بعد خيبة للأطفال الذين شعروا بالانفصال عن أصدقائهم ومعلميهم، وهذه الخيبة قد تتسبب بإحباط يؤثر على رغبتهم في الذهاب إلى المدرسة.
ان عودة الطلاب إلى المدارس حدث محفوف بمزيج من مشاعر الفرحة والخوف، إلا أنه يُمثل تحدٍ يستحق أن نبذل له كل ما في وسعنا، وأن نتكاتف كأولياء أمور ومعلمين ومدراء ومسؤولين لإرساء عملية التعليم، وتخفيف آثار الانقطاع على صغارنا ومجتمعنا، بدءًا بتهيئة الصغار للعودة وتوفير بيئة آمنة ومثمرة لاستقبالهم، ثم إعانتهم على الانسجام في مجتمعهم المدرسي.
المصادر:
[1] Managing children’s fears around returning to school
[2] Preparing Your Child to Go Back to School In-Person
[3] How to Make This Hard Transition Back to School With Your Students
[4] “اليونيسيف”: قرار عودة الدراسة حضورياً يتوافق مع تقارير تحذر من استمرار إغلاق المدارس
[5] فيروس كورونا: كيف يجب على الوالدين التحدث مع أطفالهم حول الوباء؟
[6] استبيان إمكان التعليمية عن العودة إلى المدراس.
– الصورة: موقع وكالة الانباء السعودية واس: https://www.spa.gov.sa