التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة: ما بين الجهود المبذولة وعزوف أولياء الأمور.

تعتبر الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة هي أفضل استثمار لتأسيس الطفل ومساعدته في رحلته التعليمية. ويلعب التعليم المبكر دورًا محوريًا في بناء وتشكيل شخصية الطفل وتنمية أسس المهارات العملية التي يحتاجها للانطلاق في رحلة التعليم بنجاح؛ وبالتالي لا يمكن إهمال أهميتها.

في هذه المدونة نناقش تطورات التعليم المبكر في المملكة، والعوامل التي سببت تدني أعداد الملتحقين بمرحلة رياض الأطفال على الرغم من الجهود المحلية، مع ذكر بعض مقترحات إمكان للمساهمة في وصول التعليم المبكر لمزيد من البراعم حول المملكة.

 

ما هو التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة؟

يشير مصطلح التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة إلى البرامج التعليمية الموجهة للأطفال من الميلاد وحتى سن الثامنة. وفي عام 1974 بدأ الاهتمام بالتعليم المبكّر في المملكة العربية السعودية وانطلقت صفوف رياض الأطفال في العام التالي.

 

تطورات التعليم المبكر في المملكة

أدركت المملكة أهمية التعليم المبكر، وتواصل اليوم الاستثمار في تطوير المدارس وتدريب المعلمين وتطوير برامج التعليم؛ فقد نشأت الإدارة العامة للطفولة المبكرة التابعة لوكالة التعليم العام التي تهدف للعمل على توفير خدمات تعليمية متميزة للأطفال (من سن 3 وحتى الصف الثالث الابتدائي)، ومتابعة أداء مرحلة الطفولة المبكرة وفقاً للمؤشرات المعتمدة لتهيئة الطلبة للالتحاق بالتعليم الأساسي.

كما حرصت الحكومة الرشيدة على ضم إحصاءات الأسرة السعودية إلى برامج رؤية 2030 من خلال إنشاء مجلس شؤون الأسرة الذي يهتم بتعزيز دور الأسرة في عملية التنمية من خلال تطوير تفاعلها مع المؤسسات المجتمعية. ومن منطلق دعم الأم العاملة أسهمت البرامج المنبثقة في رفع أعداد الأطفال الملتحقين بصفوف الطفولة المبكرة؛ حيث أنشأ صندوق تنمية الموارد البشرية برنامج دعم قرّة وهو مبادرة وطنية تسهم في تحمل جزء من تكاليف الحضانة للأم السعودية العاملة عند إلحاق أطفالها إلى أحد المراكز المعتمدة. وكل هذه المبادرات كانت المنارة في المملكة لتضمين أهمية التعليم المبكر على تنشئة الأطفال.

 

إطار منهج التعلم المبكر في السعودية

تماشياً مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 أطلقت وزارة التعليم أول برنامج تدريبي لبناء معايير التعلم المبكر النمائية لمرحلة رياض الأطفال بالتعاون مع الجمعية الوطنية الأمريكية لتعليم الأطفال الصغار (NAEYC)، وهدفت هذه المبادرة إلى”تطوير برامج الحضانات ورياض الأطفال والتوسع في خدماتها لتشمل جميع مناطق المملكة”؛ كما سعت لرفع جودة الخدمات المقدمة في مجال الطفولة المبكرة. وبناء على هذه المعايير تمكّنت الجهات التعليمية من وضع المناهج الدراسية المناسبة لتطوير المفاهيم والكفاءات الأساسية التي ستوفر إطارًا شاملاً للتعلم في مستقبل الطلبة.

 

لماذا تعد التنمية ورعاية الطفولة المبكرة مهمة؟

تكمُن أهمية التعليم المبكر في أهمية السنوات الأولى من حياة الطفل، إذ تُعدّ حجر الأساس لتطوير معارفهم ومهاراتهم الأساسية التي يحتاجونها في حياتهم الواقعية ورحلة التعليم، ولا يقتصر ذلك على المهارات الأكاديمية التي تسهّل انتقالهم إلى المرحلة الابتدائية؛ إذ تضم التنمية ورعاية الطفولة المبكرة تهيئة الطفل بأساسيات التنمية البدنية والاجتماعية والعاطفية والذهنية.

لا تقتصر منافع رعاية الطفولة المبكرة على الطفل، إذ يعزز توفّر خيارات الحضانة ورياض الأطفال على دعم وتمكين الأم العاملة ؛إذ يسهل توافر دور الضيافة والتوعية بأهمية التعليم المُبكر في توجّه المزيد من الأمهات إلى سوق العمل، ودعم الاقتصاد المحلّي.

وعلى الرغم من المنافع المثبتة للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة ومنجزات المملكة لدعم التعليم المبكر؛ إلا أن عدد الأطفال الملتحقين بمرحلة رياض الأطفال في السعودية من ضمن أقل الدول في العالم ومقارنة بالدول المجاورة في مجلس التعاون الخليجي؛ إذ أن 17% فقط من الأطفال في المملكة التحق بمرحلة رياض الأطفال في عام 2019م مقارنة بـ 56% في البحرين وحتى 93% في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما نلحظ الفجوة الواسعة بين المقبولين في الصفوف الأولى وبين المتخرجين من رياض الأطفال؛ إذ بلغ عدد المتخرجين من الروضات في عام 1436هـ 118 ألف طالب، فيما بلغ عدد المتقدمين للصف الأول الابتدائي قرابة نصف المليون بفجوة تصل إلى 316%، وفي عامي 1437هـ و 1438 هـ، بلغت الفجوة نحو 327% و310% على التوالي على الرغم من الاهتمام المتصاعد بهذه القضية وأهميتها في دعم التعليم من مراحل مبكرة.

ومن الجدير بالذكر أن عدم التحاق الطلاب برياض الأطفال يؤثر مباشرة على أداء الطلاب الاجتماعي والأكاديمي، بل يمتد تأثيره على اقتصاد المملكة المتأثر بارتفاع نسبة فقر التعلّم وضعف المخرجات التعليمية؛ وبالتالي ينشأ جيل لا يملك المهارات المطلوبة في سوق العمل ولا يواكب تغيراتها.

 

العوامل المسببة لعزوف أولياء الأمور عن إلحاق أطفالهم برياض الأطفال بالمملکة العربية السعودية

  • قلّة توفر مدارس مرحلة رياض الأطفال في ضواحي المدن ، وعدم استيعابها لعدد الأطفال في المنطقة.
  • صعوبة خط السير من المنزل إلى المدرسة، وتعقيدات المواصلات.
  • ارتفاع أسعار المدارس الخاصة في مرحلة رياض الأطفال بصورة مبالغ فيها مقارنة بالمخرجات التي يلحظها أولياء الأمور.
  • ضعف الثقة بالعملية التعليمية، فبعض الأهالي لا يدرك النتائج التي كسبها الطفل من التعليم في رياض الأطفال وأن منهج رياض الأطفال يعاد في المرحلة الأولية.
  • قلّة الثقة بالكادر التعليمي واعتقاد أولياء الأمور أن المعلمات غير مؤهلات وغير متخصصات في رياض الأطفال.
  • خلو المناهج من الحوافز المشجعة في البيئة التعليمية، وإثقال كاهل الأطفال بالواجبات والضغوط غير الملائمة للمرحلة العمرية.
  • ضعف وسائل التحفيز للأسر وعدم إلزامية التعليم في الروضة قبل المدرسة الإبتدائية.
  • الاعتقاد أن إلحاق الأطفال بالروضة حصر على أبناء الأمهات العاملات، وعدم إدراك أهميته لجميع الأطفال.
  • ضعف مواكبة مناهج رياض الأطفال للتطور التقني المحيط بالطفل، وبالتالي يؤثر على تحفيز الأطفال بالاستمرار في مرحلة رياض الأطفال.

 

مقترحات لتشجيع أولياء الأمور على إلحاق أطفالهم بمرحلة رياض الأطفال

  • توعية أولياء الأمور بأهمية التعليم المبكر، وتشجيعهم على إلحاق أطفالهم بها.
  • تشجيع الشراكات المحلية بين القطاع الخاص والعام لدعم تنمية مدارس رياض الأطفال.
  • دعم المشاريع الاستثمارية المحلية والعالمية لدخول قطاع مدارس رياض الأطفال
  • الحرص على رفع كفاءة المعلمات عن التدريب المستمر للكادر التعليمي في رياض الأطفال، و إيجاد المؤهلات العلمية المطلوبة لبناء مهاراتهم.
  • ضرورة التكامل بين مناهج رياض الأطفال ومناهج الصفوف الأوّلية.
  • سنّ قيود جادة تلزم أولياء الأمور بإلحاق الأطفال بمرحلة رياض الأطفال قبل المراحل الأولية.
  • اتخاذ خطوات تكاملية بين القطاع الخاص والبرامج الحكومية لرفع عدد مدارس مرحلة رياض الأطفال في المدن الرئيسية وضواحيها.

, و ختاما لبرامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة العديد من الفوائد كما ذكرناها، وعلى الرغم من الجهود والمنجزات التي حققتها المملكة في قطاع رياض الأطفال لا يزال هناك تدنٍ ملحوظ في نسب التحاق الطلاب بالروضة؛ يتطلب توعية مجتمعية واسعة ويفتح أبواب أوسع للاستثمار في قطاع رياض الأطفال وتعزيز مستقبل اقتصاد المملكة.

عملنا في إمكان مع العديد من المؤسسات الخاصة و غير الربحية في مشاريع استراتيجية وتنفيذية تخص قطاع رياض الأطفال والاستثمار فيه. لمعرفة المزيد عن خدمات إمكان لتطوير و دعم المدارس والمؤسسات التعليمية زوروا موقعنا: https://emkaneducation.com/ar/school-development/

أو يمكنكم التواصل معنا على: [email protected]


المصادر:

[1] معايير التعلم المبكر النمائية للفئة العمرية من الميلاد وحتى ثلاث سنوات

[2] التعليم في الطفولة المبكرة بالمملكة العربية السعودية: تقرير

[3] إطار المنهج التعليمي الوطني في السعودية

[4] معايير التعلم المبكر النمائية فـي المملكة العربية السعودية أطفال عمر ٣ – ٦ سنوات

[5] فوائد التعليم المبكر للأطفال

[6] العوامل المسببة لعزوف أولياء الأمور عن إلحاق أطفالهم برياض الأطفال بالمملکة العربية السعودية وسبل التغلب عليها من وجهة نظرهم في ضوء بعض المتغيرات

[7] إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: الالتحاق بتعليم الطفولة المبكرة

[8] تقرير أطفالنا بمناسبة يوم الطفل العالمي 2019 من الهيئة العامة للإحصاء

[9] لماذا تعد مسائل التعليم مهمة من أجل التنمية الاقتصادية؟


 

ساعدت إمكان التعليمية أكثر من 60 مؤسسة تعليمية محلية ودولية من تحقيق التغيير المطلوب. فهل أنت مستعد للانضمام لقائمة عملائنا وتحقيق التحول المنشود لمؤسستك؟